فصل: من فوائد ابن عاشور في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {الله يَسْتَهْزِئ بِهِمْ}.
قال ابن عرفة: هذا تشريف واعتناء بمقام النبي صلى الله عليه وسلم حيث تولى الله عقوبتهم بنفسه ولم يقل: ملائكة الله يستهزئون بهم.
قال ابن عرفة: وأوردوا هنا سؤالا في إسناد الاستهزاء إلى الله فقدّره المعتزلة بأنّه قبيح، وصدور القبح من الله تعالى محال، وقدّره أهل السنة بأنّ الاستهزاء ملزوم بالجهل لقوله تعالى: {قالوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الجاهلين} والجهل على الله تعالى محال فالاستهزاء في حقه محال.
وأجاب ابن عطية بثلاثة أوجه: إما أنه مجاز المقابلة كقولك:
قَالُوا: اقترح شيئا نجد لك طبخه قلت: اطبخوا لي جبة وقميصا.
وقول لبيد:
أَلا لا يَجهلن أحد علينا ** فنجهل فوق جهل الجاهلينا

وإما بأنه يفعل بهم من الإملاء بالنعم كفعل المستهزئ، أو يفعل بهم في الآخرة ما هو في تأويل البشر كفعل المستهزئ، حسبما روي أن النار تجمد كما تجمد الأهالة وهي الشحم فيمشون عليها يظنونها منجاة فتخسف بهم.
قال الزمخشري: هلا قيل: الله مستهزئ بهم كما قالوا هم: إنما نحن مستهزؤون؟ وأجاب بأن الفعل يفيد حدوث الاستهزاء وتجدده وقتا بعد وقت.
فرده ابن عرفة بأن دوامه عليهم أشد وأشنع.
قال: ويجاب عليه بأن التجدّد يقتضي تنويعه واختلافه عليهم شيئا بعد شيء فلا يستهزئ بهم بنوع واحد.
وأجاب الطيبي بأن دوام العذاب فيه توطين لهم، فقد تألفه نفوسهم وتدرّب عليه بخلاف تجدّده فإنه إذا ارتفع عنهم يرجون انقطاعه وإذا عاد إليهم كان أشد عليهم.
قيل لابن عرفة: نقل بعض الشيوخ عن الأستاذ ابن نزار أنه كان ينهى عن الوقف على {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ} لأن قوله: {الله يَسْتَهْزِئ بِهِمْ} مقابل لما قبله فالصواب إيصاله به؟
فقال ابن عرفة: كان غيره يختار في مثل هذا الوقف في الفصل بين كلام الله وكلامهم كما ينهى عن الوقف على {إنَّا مَعَكُمْ}. اهـ.

.من فوائد ابن عاشور في الآية:

قال رحمه الله:
{الله يَسْتَهْزِئ بِهِمْ}.
لم تعطف هاته الجملة على ما قبلها لأنها جملة مستأنفة استئنافًا بيانيًا جوابًا لسؤال مقدر، وذلك أن السامع لحكاية قولهم للمؤمنين {آمنا} [البقرة: 14] وقولهم لشياطينهم {إنا معكم} [البقرة: 14] إلخ.
يقول لقد راجت حيلتهم على المسلمين الغافلين عن كيدهم وهل يتفطن متفطن في المسلمين لأحوالهم فيجازيهم على استهزائهم، أو هل يرد لهم ما راموا من المسلمين، ومَن الذي يتولى مقابلة صنعهم فكان للاستئناف بقوله: {الله يستهزئ بهم} غاية الفخامة والجزالة، وهو أيضًا واقع موقع الاعتراض والأكثر في الاعتراض ترك العاطف.
وذكر {يستهزئ} دليل على أن مضمون الجملة مجازاة على استهزائهم.
ولأجل اعتبار الاستئناف قُدم اسم الله تعالى على الخبر الفعلي.
ولم يقل يستهزئ اللَّهُ بهم لأن مما يجول في خاطر السائل أن يقول مَن الذي يتولى مقابلة سُوء صنيعهم فأُعلم أن الذي يتولى ذلك هو رب العزة تعالى، وفي ذلك تنويه بشأن المنتصَر لهم وهم المؤمنون كما قال تعالى: {إن الله يدافع عن الذين آمنوا} [الحج: 38] فتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي هنا لإفادة تقوى الحكم لا محالة ثم يفيد مع ذلك قصر المسند على المسند إليه فإنه لما كان تقديم المسند إليه على المسند الفعلي في سياق الإيجاب يأتي لتقوي الحكم ويأتي للقصر على رأي الشيخ عبد القاهر وصاحب الكشاف كما صَرح به في قوله تعالى: {والله يقدر الليل والنهار} في سورة المزمل (20)، كان الجمع بين قصد التقوي وقصد التخصيص جائزًا في مقاصد الكلام البليغ وقد جوزه في الكشاف عند قوله تعالى: {فلا يخاف بخسًا ولا رهقًا} في سورة الجن (13)، لأن ما يراعيه البليغ من الخصوصيات لا يترك حملُ الكلام البليغ عليه فكيف بأبلغ كلام، ولذلك يقال النكتُ لا تتزاحم.
كان المنافقون يغرهم ما يرون من صفح النبيء عنهم وإعراض المؤمنين عن التنازل لهم فيحسبون رواج حيلتهم ونفاقهم ولذلك قال عبد الله بن أبيّ: {ليُخرجَن الأعزُّ منها الأَذَلَّ} [المنافقون: 8] فقال الله تعالى: {ولله العزة ولرسوله} [المنافقون: 8] فتقديم اسم الجلالة لمجرد الاهتمام لا لقصد التقوي إذ لا مقتضي له.
وفعل: {يستهزئ} المسند إلى الله ليس مستعملًا في حقيقته لأن المراد هنا أنه يفعل بهم في الدنيا ما يُسمى بالاستهزاء بدليل قوله: {ويمدهم في طغيانهم} ولم يقع استهزاء حقيقي في الدنيا فهو إما تمثيل لمعاملة الله إياهم في مقابلة استهزائهم بالمؤمنين، بما بشبه فعل المستهزئ بهم وذلك بالإملاء لهم حتى يظنوا أنهم سلموا من المؤاخذة على استهزائهم فيظنوا أن الله راضضٍ عنهم أو أن أَصنامهم نفعوهم حتى إذا نزل بهم عذاب الدنيا من القتل والفضح علموا خلافَ ما توهموا فكان ذلك كهيئة الاستهزاء بهم.
والمضارع في قوله: {يستهزئ} لزمن الحال.
ولا يحمل على اتصاف الله بالاستهزاء حقيقة عند الأشاعرة لأنه لم يقع من الله معنى الاستهزاء في الدنيا، ويحسن هذا التمثيل ما فيه من المشاكلة.
ويجوز أن يكون {يستهزئ بهم} حقيقة يوم القيامة بأن يأمر بالاستهزاء بهم في الموقف وهو نوع من العقاب فيكون المضارع في {يستهزئ} للاستقبال، وإلى هذا المعنى نَحَا ابن عباس والحسن في نقل ابن عطية، ويجوز أن يكون مرادًا به جزاءُ استهزائهم من العذاب أو نحوه من الإذلال والتحقير والمعنى يذلهم وعبر عنه بالاستهزاء مجازًا ومشاكلة، أو مرادًا به مآلُ الاستهزاء من رجوع الوبال عليهم.
وهذا كله وإن جاز فقد عينه هنا جمهور العلماء من المفسرين كما نقل ابن عطية والقرطبي وعينه الفخر الرازي والبيضاوي وعينه المعتزلة أيضًا لأن الاستهزاء لا يليق إسناده إلى الله حقيقة لأنه فعلٌ قبيحٌ ينزه الله تعالى عنه كما في الكشاف وهو مبني على المتعارف بين الناس.
وجيء في حكاية كلامهم بالمسند الاسمي في قولهم: {إنما نحن مستهزئون} [البقرة: 14] لإفادة كلامهم معنى دوام صدور الاستهزاء منهم وثباته بحيث لا يحولون عنه.
وجيء في قوله: {الله يستهزئ بهم} بإفادة التجدد من الفعل المضارع أي تجدد إملاء الله لهم زمانًا إلى أن يأخذهم العذاب، ليعلم المسلمون أن ما عليه أهل النفاق من النعمة إنما هو إملاء وإن طال كما قال تعالى: {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل} [آل عمران: 196].
{وَيَمُدُّهُمْ فِي طغيانهم يَعْمَهُونَ}.
يتعين أنه معطوف على {الله يستهزئ بهم}.
ويمد فعل مشتق من المَدَد وهو الزيادة، يقال مَدَّه إذا زاده وهو الأصل في الاشتقاق من غير حاجة إلى الهمزة لأنه متعد، ودليله أنهم ضموا العين في المضارع على قياس المضاعف المتعدي، وقد يقولون أمده بهمزة التعدية على تقدير جعله ذا مَدد ثم غلب استعمال مَد في الزيادة في ذات المفعول نحو مَدَّ له في عُمره ومَدَّ الأرض أي مططها وأطالها، وغلب استعمال أمد المهموز في الزيادة للمفعول من أشياء يحتاجها نحو أمده بجيش: {أمدكم بأنعام وبنين} [الشعراء: 133].
وإنما استعمل هذا في موضع الآخر على الأصل فلذلك قيل لا فرق بينهما في الاستعمال وقيل يختص أمد المهموز بالخير نحو: {أتُمِدُّونني بمالَ} [النمل: 36] {أن ما نُمِدُّهم به من مال} [المؤمنون: 55]، ويختص مَد بغير الخير ونقل ذلك عن أبي علي الفارسي في كتاب الحجة، ونقله ابن عطية عن يونس بن حَبيب، إلا المعدَّى باللام فإنه خاص بالزيادة في العمر والإمهاللِ فيه عند الزمخشري وغيره خلافًا لبعض اللغويين فاستغنوا بذكر اللام المؤذنة بأن ذلك للنفع وللأجْل بسكون الجيم عن التفرقة بالهمز رجوعًا للأصل لئلا يجمعوا بين ما يقتضي التعدية وهو الهمزة وبين ما يقتضي القصور وهو لام الجر، وكل هذا من تأثير الأمثلة على الناظرين وهي طريقة لهم في كثير من الأفعال التي يتفرع معناها الوضعي إلى معان جزئية له أو مقيدة أو مجازية أن يخصوا بعْض لغاته أو بعض أحواله ببعض تلك المعاني جريًا وراء التنصيص في الكلام ودفع اللبس بقدر الإمكان.
وهذا من دقائق استعمال اللغة العربية، فلا يقال إن دعوى اختصاص بعض الاستعمالات ببعض المعاني هي دعوى اشتراك أو دعوى مجاز وكلاهما خلاف الأصل كما أورد عبد الحكيم؛ لأن ذلك التخصيص كما علمت اصطلاح في الاستعمال لا تعدد وضع ولا استعمالٌ في غير المعنى الموضوع له ونظير ذلك قولهم فَرقَ وفَرق ووعَد وأوْعد ونَشَد وأنشد ونَزَّل المضاعف وأنزل، وقولهم العِثار مصدر عثر إذ أريد بالفعل الحقيقة، والعُثور مصدر عثر إذ أريد بالفعل المجاز وهو الاطلاع، وقد فرقت العرب في مصادر الفعل الواحد وفي جموع الاسم الواحد لاختلاف القيود.
وتعدية فعل يمد إلى ضميرهم الدال على أدب أو ذوق مع أن المد إنما يتعدى إلى الطغيان جاءت على طريقة الإجمال الذي يعقبه التفصيل ليتمكن التفصيل في ذهن السامع مثل طريقة بدل الاشتمال وجعل الزجاج والواحدي أصله ويمد لهم في طغيانهم فحذف لام الجر واتصل الفعل بالمجرور على طريقة نزع الخافض وليس بذلك.
والطغيان مصدر بوزن الغفران والشكران، وهو مبالغة في الطغْي وهو الإفراط في الشر والكِبْر وتعليق فعل {يمدهم} هنا بضمير الذوات تعليق إجمالي يفسره قوله: {في طغيانهم} ويجوز أن يكون على تقدير لام محذوفة أي يمد لهم في طغيانهم أي يمهلهم فيكون نحو بعض ما فسر به قوله: {الله يستهزئ بهم} وهذا قول الزجاج والواحدي وفيه بُعد.
والعَمَهُ انطماس البصيرة وتحير الرأي وفعله عَمِهَ فهو عامه وأعمه.
وإسناد المد في الطغيان إلى الله تعالى على الوجه الأول في تفسير قوله: {ويمدهم} إسناد خلق وتكوين منوط بأسباب التكوين على سنة الله تعالى في حصول المسببات عند أسبابها.
فالنفاق إذا دخل القلوب كان من آثاره أن لا ينقطع عنها، ولما كان من شأن وصف النفاق أن تنمي عنه الرذائل التي قدمنا بيانها كان تكونها في نفوسهم متولدا من أسباب شتى في طباعهم متسلسلًا من ارتباط المسببات بأسبابها وهي شتى ومتفرعة وذلك بخلق خاص بهم مباشرة ولكن الله حرمهم توفيقه الذي يقلعهم عن تلك الجبلة بمحارية نفوسهم، فكان حرمانه إياهم التوفيق مقتضيًا استمرار طغيانهم وتزايده بالرسوخ فإسناد ازدياده إلى الله لأنه خالق النظم التي هي أسباب ازدياده، وهذا يعد من الحقيقة العقلية الشائعة وليس من المجاز لعدم ملاحظة خلق الأسباب بحسب ما تعارفه الناس من إسناد ما خفي فاعله إلى الله تعالى لأنه الخالق للأسباب الأصلية والجاعل لنواميسها بكيفية لا يعلم الناس سرها ولا شاهدوا من تسند إليه على الحقيقة غيره وهذا بخلاف نحو بنى الأمير المدينة لاسيما بعد التصريح بالإسناد إليه في الكلام بحيث لم يبق للبناء على عرف الناس مجال وهذا بخلاف نحو: يزيدك وجهه حسنًا وسرتني رؤيتك؛ لأن ذلك وإن كان في الواقع من فعل الله تعالى إلا أنه غير ملتفت إليه في العرف فلذلك قال الشيخ عبد القاهر: إنه من المجاز الذي لا حقيقة له.
وإنما أضاف الطغيان لضمير المنافقين ولم يقل في الطغيان بتعريف الجنس كما قال في سورة الأعراف (202): {وإخوانُهم يُمِدُّونهم في الغيّ} إشارة إلى تفظيع شأن هذا الطغيان وغرابته في بابه وإنهم اختصوا به حتى صار يعرف بإضافته إليهم.
والظرف متعلق بيمدهم ويعمهون جملة حالية. اهـ.

.قال في روح البيان:

وفي الآيتين إشارات:
الأولى: في قوله تعالى: {إِنَّا مَعَكُمْ} وهي أنّ من رام أن يجمع بين طريق الإرادة وما عليه أهل العادة لا يلتئم له ذلك والضدان لا يجتمعان ومن كان له من كل ناحية خليط ومن كل زاوية من قلبه ربيط كان نهبًا للطوارق ومنقسمًا بين العلائق فهذا حال المنافق يذبذب بين ذلك وذلك يعني أن المنافقين لما أرادوا أن يجمعوا بين غبرة الكفار وصحبة المسلمين وأن يجمعوا بين مفاسد الكفر ومصالح الإيمان وكان الجمع بين الضدين غير جائز فبقوا بين الباب والدار كقوله تعالى: {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَالِكَ لا إِلَى هَاؤُلاءِ وَلا إِلَاى هَاؤُلاءِ} [النساء: 143] وكذلك حال المتمنين الذين يدعون الإرادة ولا يخرجون عن العادة ويريدون الجمع بين مقاصد الدارين يتمنون أعلى مراتب الدين ويرتعون في أسفل مراتع الدنيا فلا يلتئم لهم ذلك قال عليه السلام: «ليس الدين بالتمني» وقال: «بعثت لرفع العادات ودفع الشهوات» وقال: «الدنيا والآخرة ضرتان فمن يدععِ الجمع بينهما فممكور ومغرور» فمن رام مع متابعة الهوى البلوغ إلى الدرجات العلى فهو كالمستهزئ بطريق هذا الفريق فكم في هذا البحر من أمثاله غريق فالله تعالى يمهلهم في طغيان النفس بالحرص على الدنيا حتى يتجاوزوا في طلبها حد الاحتياج إليها ويفتح أبواب المقاصد الدنيوية عليهم ليستغنوا بها وبقدر الاستغناء يزيد طغيانهم كما قال الله تعالى: {إِنَّ الانسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّءَاهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6- 7] فكان جزاء سيئة تلونهم في الطلب الاستهزاء وجزاء سيئة الاستهزاء الخذلان والإمهال إلى أن طغوا وجزاء سيئة الطغيان العمه فيترددون في الضلال متحيرين لا سبيل لهم إلى الخروج من الباطل والرجوع إلى الحق.
والإشارة الثانية في قوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} وهي أن ذلك يدل على شرف المؤمنين ومنزلتهم عند الله حيث أن الله هو الذي يتولى الاستهزاء بهم انتقامًا للمؤمنين ولا يحوج المؤمنين إلى أن يعارضوهم باستهزاء مثله فناب الله عنهم واستهزأ بهم الاستهزاء الأبلغ الذي ليس استهزاؤهم عنده من باب الاستهزاء حيث ينزل بهم من النكال ويحل عليهم من الذل والهوان ما لا يوصف به.
ودلت الآية على قبح الاستهزاء بالناس وقد قال: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ} [الحجرات: 11] وقال في قصة موسى عليه السلام: {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [البقرة: 67] فأخبر أنه فعل الجاهلين وإذا كان الاستهزاء بالناس قبيحًا فما جزاء الاستهزاء بالله وهو فيما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المستغفر من الذنب وهو مصر عليه كالمستهزئ بربه».
والإشارة الثالثة في قوله تعالى: {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} وهي أن العبد ينبغي له أن لا يغتر بطول العمر وامتداده ولا بكثرة أمواله وأولاده والله تعالى يقول في أعدائه في حق المعمر {وَيَمُدُّهُمْ} [البقرة: 15] وفي حق المال والبنين {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِه مِن مَّالٍ وَبَنِينَ} [المؤمنون: 55] وكان طول العمر لهم خذلانًا وكثرة الأموال والأولاد لهم حرمانًا ولهم في مقابلة هذا المد مد قال الله تعالى: {وَنَمُدُّ لَه مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا} [مريم: 79] وقد جعل الله لعدوه في الدنيا مالًا ممدودًا ولوليه في الآخرة ظلًا ممدودًا وقال الله جل جلاله لمحمد صلى الله عليه وسلّم ليلة المعراج: «إن من نعمتي على أمتك أني قصرت أعمارهم كيلا تكثر ذنوبهم وأقللت أموالهم كيلا يشتد في القيامة حسابهم وأخرت زمانهم كيلا يطول في القبور حبسهم» وروي أن الله تعالى قال لحبيبه ليلة المعراج: «يا أحمد لا تتزين بلين اللباس وطيب الطعام ولين الوطاء فإن النفس مأوى كل شر وهي رفيق سوء كلما تجرها إلى طاعة تجرك إلى معصية وتخالفك في الطاعة وتطيع لك في المعصية وتطغى إذا شبعت وتتكبر إذا استغنت وتنسى إذا ذكرت وتغفل إذا آمنت وهي قرينة للشيطان» كذا في مشكاة الأنوار. اهـ.